قد تعرض الشاطبي رحمه الله في كتابه القيم الاعتصام إلى تعريف البدعة، وأنواعها، وأحكامها، ومناهج أهل البدع في الاستدلال، وأسباب ضلال أهل البدع، وله كلام في غاية الجودة ومنه قوله (2/801) "الباب العاشر: في بيان معنى الصراط المستقيم الذي انحرفت عنه سبل أهل الابتداع، فضلت عن الهدى بعد البيان".
قال: "إن الله عز وجل أنزل القرآن عربياً لا عجمة فيه، بمعنى أنه جارٍ في ألفاظه ومعانيه وأساليبه على لسان العرب؛ قال الله تعالى: ((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا))[الزخرف:3]، وقال تعالى: ((قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ))[الزمر:28]، وقال تعالى: ((نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ))[الشعراء:193-195] وكان المنزل عليه القرآن عربياً أفصح من نطق بالضاد، وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وكان الذين بعث فيهم عرباً أيضاً، فجرى الخطاب به على معتادهم في لسانهم.
فليس فيه شيء من الألفاظ والمعاني إلا وهو جارٍ على ما اعتادوه، ولم يداخله شيء، بل نفى عنه أن يكون فيه شيء أعجمي، فقال تعالى: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ))[النحل:103]، وقال تعالى في موضع آخر: ((وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ))[فصلت:44]..." إلى آخر كلامه.
ومسألة وجود ألفاظ في القرآن أصلها أعجمي ليس من مقصودنا؛ مع أنه لو وجدت فيه كلمات أصولها أعجمية، فإن الكلمة إذا عربت واستخدمها العرب صارت عربية، كما أنه يوجد الآن في كثير من لغات العالم كلمات عربية قد صارت من ضمن كلامهم؛ لأنهم عجموها؛ وهي كلمات كثيرة؛ لاسيما في اللغات القريبة؛ مثل الحبشية، والتركية، والهندية والإيطالية، والفارسية، وهي في الفارسية أكثر، وهذه قاعدة وأصل من أصول الفهم.
ومن أسباب ضلال الفرق: العجمة وعدم فهم القرآن، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهم إما أنهم لا يفهمون القرآن، وإما أنهم يستخدمون الكلمة في غير موضعها، فمثلاً يقول الله تعالى: ((قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ))[المؤمنون:88] وكلمة الملكوت وردت في القرآن في أكثر من موضع، فيقول: أبو حامد الغزالي العالم عالمان: عالم الدنيا، وعالم الملكوت، وأحياناً يقول: عالم الملكوت، وعالم الجبروت والعالم المشهود، وعالم الملائكة وعالم العقول العشرة، فالملكوت عندهم عالم آخر وليس هذا هو معنى الملكوت الوارد في القرآن.